في بلدي، إذا حملت زوجة أسير، عبر النطف المهربة، تعلو المآذن مكبرة، وتقوم الاحتفالات.. هناك ابن بطل قادم، يمتد حبله السري إلى عسقلان، وبئر السبع، والنقب، والرملة.
لا يملي الفلسطيني على السينما، أو الأشكال الفنية عمومًا، ما يريده منها، أو أن يتمظهر شكل حياته فيها، أو أن تعكس همومه وأفكاره التي تبدو عميقة أحيانًا، فيفكر في ماهية وجوده في وطن مسلوب، أو في أبسطها في أن يكون إنسانًا حرًا وكريمًا، أو أن يظهر في هذا الفن، على الأقل، أملًا ولو كان متخيلًا، هذا على الأقل.
ترشّح، عن الأردن، مؤخرًا، فيلم "أميرة"، للمخرج المصري محمد ذياب. تناول الفيلم قضية حساسة جدًا تمس الأسرى وحياتهم، وحبلهم الأخير في هذا الحياة، بل أظن أنه، بالنسبة للأسرى ذوي الأحكام العالية، والمؤبدات، من الذين يأملون إما بصفقة تبادل، أو إنجاب طفل عبر النطف المهربة.
قصة الفيلم تدور حول الأسير واسمه نوّار، وزوجته ليلى، وابنتهما أميرة، وقد أنجباها قبل 16 عامًا عبر النطف المهربة، وهما يفكران في إنجاب طفل آخر بنفس الطريقة، لتظهر شكوك في نسب هذه الطفلة عبر تحليل المادة الوراثية.
فربما يكون والدها ضابطًا إسرائيليًا! يقول صالح ذباح: "تأتي التطوّرات في حبكة "أميرة" على هيئة صفعات متتالية انحدرت فيها البداية الواعدة لفيلم سينمائي إلى تتمّة مخيّبة أقرب إلى مسلسل يعصر العواطف، حين تقرّر ليلى أن تؤلف قضايا تمسّ شرفها لتنقذ ابنتها، ويتمّ حشو الفيلم بأحداث مُقحمة وغير منطقية وكأنّ المخرج يبحث عن أقصر خط يصل بين البداية والنهاية لإتمام القصة.
وما زاد الطين بلّة التحوّلات اللامنطقيّة لشخصيّة أميرة من فتاة مسالمة رقيقة تحب التصوير لتصبح مسلّحة تتعلم استعمال مسدّس في خمس دقائق، أمّا الطامّة الكبرى، فهي الكتابات المرافقة لنهاية الفيلم التي تؤكّد على عدم وجود أي طفل أو طفلة ذوي شكوك في نسبهم خلال عمليات تهريب النطف. إذًا لماذا بحق السماء كلّ هذه الحبكة المرهقة أصلًا؟".
وإذا لم تكن تعلم وتعي خطورة هذه العملية، وحساسيتها، فلا تمس بها، ولا تتحدث عنها، إن كنت لا تريد أن تكون باعث أمل، فلا تعبث به!
عن قصد أو دون قصد، وهذا الأخطر في هذا الفيلم، إذ لا يجب أن يكون هناك حسن النية، ومن قال إن فن الأمم المظلومة يجب أن يكون حسن النية! ومن قال إن عنصر التشويق والإثارة يجب أن يكون عندما ننتزع أملًا مقدسًا، أو ملكية حرامًا، من بين قلوب مئات الأسرى!
ولا أدري إذا كانت شركة الإنتاج والمخرج وكاتب السيناريو، قد بحثوا جميعًا في مسألة تهريب النطف، وتعقيدات آلياتها، وأبعادها الدينية والاجتماعية ودورها في مقاومة الاحتلال. ولا أدري إن كان قد أجروا مقابلات مع زوجات الاسرى، أو تحدثوا مع الأسرى أنفسهم. هل ظنوا بالفعل أنها حبكة تأتي في سياق الأفلام السينمائية التشويقية، إذا ظنوا هذا، فهذه غاية المصيبة، وإن كانت لديهم نوايا ليست بالحسنة، فهم يدقون ناقوس خطر مدوٍ، فما لكم وللتشكيك بأبناء الأسرى!
إن الأسير الذي ينجب عن بعد أميال، وعبر القضبان، وأسلاك شائكة، وحصار مادي ومعنوي، يقاوم سجانه مرتين، وماذا تكون أنت؟! أنا أتسرب إلى الحياة رغمًا عنك. دعوهم يبعثون الحياة، ولا تعبثوا بأمل الفلسطيني!